قبل أن تتحول الصين إلى “المعجزة الاقتصادية” التي نعرفها اليوم، كانت بلداً زراعياً يعيش عقوداً من المهانة والخراب والتدخلات الأجنبية. في تلك الفترة ولدت شخصية مهمة كان لها دور في إحياء الصين وإلهام ثورات في بلاد أخرى. هذه قصة الزعيم الصيني ماو تسي تونغ
قائد الشعب أم دكتاتور؟
الزعيم الصيني ماو تسي تونغ من أشهر زعماء الشيوعية في العالم. وجهه يظهر على العملات النقدية الصينية ويروي التاريخ دوره في إحياء الصين بعد عقود من المهانة والخراب والتدخلات الأجنبية، لكنه في روايات أخرى دكتاتور طموح تسببت سياساته في وفاة عشرا الملايين وإلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد والمجتمع في الصين.
الإبن المتمرد
ولد ماو عام 1893 لعائلة تعيش على الزراعة في وقت كانت فيه الصين بلداً زراعياً على مشارف انهيار آخر سلالاته الملكية والتحول الى جمهورية. حاول والد ماو إجباره على الزراعة لكنه تمرد وغادر الى بيجين بالتزامن مع نجاح الثورة في روسيا وتأسيس الاتحاد السوفييتي الشيوعي.
البداية
مع نهاية الحرب العالمية الأولى حشد ماو الطلبة والعمال لمعارضة اتفاق يمنح اليابان السيطرة على إقليم شاندونغ الصيني. أذكى الاتفاق عداء الناشطين الصينيين تجاه الإمبريالية وعزز ميولهم الى الأفكار الماركسية باعتبارها أساساً لنجاح الثورة، وهو ما أثمر تأسيس الحزب الشيوعي الصيني عام 1921. ومع نمو أعداد الشيوعيين في الصين، دخلوا في تحالف مع الحزب القومي وكان ماو طرفاً مهماً فيه.
في شتاء عام 1924 عاد ماو الى قريته، وهناك لاحظ الإمكانات الثورية الكامنة في الفلاحين بعد أن كان قد تأثر خلال سنوات دراسته بنظرة المثقفين المتعالية التي ترى الفلاحين مجرد جهلة قذرين. وبعد وفاة زعيم الحزب القومي “الكومينتانغ” نسفت القيادة الجديدة التحالف مع الشيوعيين في 1927، وتبلور فكر ماو الذي عرف فيما بعد بالماوية.
الماوية
اختلفت رؤية ماو عن الفكر الشيوعي للاتحاد السوفييتي (الماركسية اللينينية) في اعتباره أن الفلاحين، لا العمال، هم أساس الثورة. آمن ماو بأن “السلطة السياسية تنبع من فوهة البندقية”، فأسس مع رفاقه حكومة على النمط السوفييتي وشكل جيشاً من الفلاحين الفدائيين (الجيش الأحمر) وابتكر نمط النضال القائم على حرب العصابات في الريف.
قائد الصين العظيم
دخل ماو التاريخ عندما قاد رجاله في مسيرة طويلة (1934 – 1935) عُرفت بالمسيرة الكبرى واجهوا خلالها الغارات والظروف الطبيعية القاسية قبل أن يتمكن من الوصول الى شمال غربيّ الصين. انتصر الجيش الأحمر على الغزاة اليابانيين ثم على الصينيين القوميين الذين انسحبوا الى جزيرة تايوان عام 1949. وأعلن ماو ميلاد جمهورية الصين الشعبية قائلاً إن “الشعب الصيني قد نهض”.
أكبر مجاعة في التاريخ
دشن ماو خطة اقتصادية عرفت بـ”القفزة الكبرى الى الأمام” (1958 – 1960) بهدف توظيف الموارد البشرية الهائلة لنقل الصين من دولة زراعية مستهلكة الى دولة صناعية تنافس الدول الأكثر تقدماً. فشلت الخطة وانهار الاقتصاد تزامناً مع وقع كوارث طبيعية وتراجع الدعم السوفييتي، فعانت البلاد ويلات مجاعة تعتبر الأكبر في التاريخ من حيث عدد الوفيات (30 الى 40 مليون وفاة).
ماو والعرب
ظل ماو يروج لثورته على أنها جزء من ثورة البروليتاريا العالمية ضد الإمبريالية، وأخبر وفداً سورياً في عام 1965 بأن الصين تدعم الثورة أينما اندلعت لأن ثورة الشعوب هي الحل لمشاكل الدول. وشدد على أن الشعوب العربية شعوب مناضلة يمكن أن تتغلب على المؤامرة الإمبريالية من خلال الوحدة والكفاح.
الثورة الثقافية
أطلق ماو حملة لتطهير البلاد من العناصر “البرجوازية غير النقية” عام 1966 بقدر ضحاياها بما بين مليون و20 مليوناً. ترك ماو بعد وفاته في 9 سبتمبر 1976 إرثاً مثيراً للجدل فقد ألهم فكره ثورات في دول مختلفة وخلق قاعدة لاقتصاد قومي يعد أساس التنمية في الصين الحديثة. لكنه في نظر كثيرين دكتاتور حكم البلاد بالحديد والنار وأزهقت سياساته عشرات ملايين الأرواح.
المصدر: +AJ عربي